responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 97
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ قَالَ مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ: نَمْسَخُهُمْ قِرَدَةً كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَوَائِلِهِمْ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ: الْأَظْهَرُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى اللَّعْنِ الْمُتَعَارَفِ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ [المائدة: 60] ففصل تعالى هاهنا بين اللعن وبين مسخهم قردة وخنازير، وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: إِلَى مَنْ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: أَوْ نَلْعَنَهُمْ.
الْجَوَابُ: إِلَى الْوُجُوهِ إِنْ أُرِيدَ الْوُجَهَاءُ أَوْ لِأَصْحَابِ الْوُجُوهِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهَ قَوْمٍ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: قَدْ كَانَ اللَّعْنُ وَالطَّمْسُ حَاصِلَيْنِ قَبْلَ الْوَعِيدِ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَتَّحِدَا.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ لَعْنَهُ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْوَعِيدِ يَكُونُ أَزْيَدَ تَأْثِيرًا فِي الْخِزْيِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ خِطَابُ مُشَافَهَةٍ، وَقَوْلُهُ: أَوْ نَلْعَنَهُمْ خِطَابُ مُغَايَبَةٍ، فَكَيْفَ يَلِيقُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ؟
الْجَوَابُ: مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ [يُونُسَ: 22] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَكْذِبُونَ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ. وَعِنْدِي فِيهِ احْتِمَالٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ اللَّعْنَ هُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَذِكْرُ الْبَعِيدِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْمُغَايَبَةِ، فَلَمَّا لَعَنَهُمْ ذَكَرَهُمْ بِعِبَارَةِ الْغَيْبَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا نَاقِضَ لِأَمْرِهِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ، كَمَا تَقُولُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَا شَكَّ فِي حُصُولِهِ: هَذَا الْأَمْرُ مَفْعُولٌ وَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ بَعْدُ. وَإِنَّمَا قَالَ:
(وَكَانَ) إِخْبَارًا عَنْ جَرَيَانِ عَادَةِ اللَّه فِي الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ مَهْمَا أَخْبَرَهُمْ بِإِنْزَالِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ تَهْدِيدُ اللَّه فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَاقِعًا لَا مَحَالَةَ، فَاحْتَرِزُوا الْآنَ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ واللَّه أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّه مُحْدَثٌ فَقَالَ: قَوْلُهُ: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا يَقْتَضِي أَنَّ أَمْرَهُ مَفْعُولٌ، وَالْمَخْلُوقُ وَالْمَصْنُوعُ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدٌ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ أَمْرَ اللَّه مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ، وَهَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي اللُّغَةِ جَاءَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْفِعْلِ قَالَ تَعَالَى: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هُودٍ: 97] والمراد هاهنا ذاك.

[سورة النساء (4) : آية 48]
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (48)
اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا هَدَّدَ الْيَهُودَ عَلَى الْكُفْرِ، وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ التَّهْدِيدَ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ لَا مَحَالَةَ بَيَّنَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّهْدِيدِ مِنْ خَوَاصِّ الْكُفْرِ، فَأَمَّا سَائِرُ الذُّنُوبِ الَّتِي هِيَ مُغَايِرَةٌ لِلْكُفْرِ فَلَيْسَتْ حَالُهَا كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 10  صفحه : 97
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست